وكالة أنباء الحوزة - ان لآيات القرآن تفسيرها الخاص وهذا التفسير وبيانه وعلومه عند النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وهـم بدورهم قد وصفوا معارف القرآن بين أيدي المسلمين واسمعوا الناس بلاغ القرآن، فقد روي عن الإمام الحـسين بن علي(عليه السلام ) وكذلك الإمام الصادق(عليه السلام ) قولهما :"كتاب الله على أربعة أشياء، على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء".
لذلك فان النبي الاكرم وأهل بيته (عليهم السلام) هم من نور واحد وهم الأعلم بتفسير القرآن الكريم، وقد ذكر السيد السبزواري بعض من أقوال المعصومين(عليهم السلام) في بيان معنى التوحيد وهي:
في نهج البلاغة قال الإمام علي (عليه السلام): " أول الدين معرفته، وكما لمعرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف انه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاهومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه".
وقد عقب السبزواري قائلا:" تضمن هذا البيان البديع الذي هو فوق كلام المخلوق إشارات دقيقة ومعانٍ سامية، منها عينية الصفات والذات، وهي برهان الوحدة ... ومنها أن معرفته ركن من أركان الدين بل من أهمها، ... ومنها أن معرفته تستدعي التصديق به ... ومنها أن معرفته تنتهي في استكمالها إلى نفس صفات الزائدة عن ذاته، فكمال معرفته يلازم نفي الوحدة العددية عنه واثبات وحدة أخرى، وهي اتحاد الصفات والذات، الذي يستدعي تنزيهه سبحانه وتعالى عن التركيب والتجزئة ونفي الاحتياج، وهو التوحيد النزيه الجامع لكل صفات الكمال، وهو الخير المحض، ....".
وفي التوحيد بإسناده عن عبد الله (عليه السلام): "بينما أمير المؤمنين يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له: ذعلب، ذرب اللسان، بليغ في الخطاب، شجاع القلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال(عليه السلام): ويلك يا ذعلبلم أكن اعبد ربّاً لم أره ! فقال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟، قال (عليه السلام): يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب أن ربي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، وكبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شيء، لا يقال شيء قبله، وبعد كل شيء، لا يقال له بعد، شاء الأشياء لا بهمّة، درّاك لا بخديعة، هو في الأشياء غير متمازج بها ولا بائنٍ عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجلّ لا باستهلال رؤية، بائنٍ لا بمسافة، قريب لا بمداناة لطيف لا بتجسّم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة،... كان ربّاً ولا مربوب، والها إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع ..."، وقد قال السبزواري معقبا: "هذا الحديث مشهور بين الخاصة والعامة، وقد روي بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة، ومجموعه يدل على عينية الصفات واحديه الذات في جميع مايصدق عليه ويتصف به،فهو تعالى اللامحـدود وغير المتناهي ...".
وفي الاحتجاج عن الإمام علي (عليه السلام) في خطبته:" دليله آياته، ووجوده إثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة، انه رب خالق غير مربوب مخلوق، ما تصور فهو بخلافه ...إليان قال (عليه السلام): ليس باله من عرف نفسه، هو الدالة بالدليل عليه، والمؤدي بالمعرفة إليه".
وفي المعاني بإسناده عن الإمام علي (عليه السلام) قال:" قال رسول الله (صلى الله عليه واله): التوحيد ظاهره في باطنه، وباطنه في ظاهره، ظاهره موصوف لا يرى، وباطنه موجود لا يخفى، يطلب بكل مكان، ولم يخل عنه مكان طرفة عين، حاضر غير محدود، وغائب غير مفقود"، وفي تعقيب للسبزواري قال :"الحديث الشريف يدل على كونه غير محدود بحد، والتوحيد الكامل التام، وعينية الذات والصفات...".
وفي ختام هذه الأدلة ذكر السبزواري دعاء الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) الذي يبيّن فيه التوحيد الحقيقي وآثاره على المخلوقات، إذ قال (عليه السلام): "أنت الله لا اله إلا أنت، الأحد المتوحد، الفرد المتفرد، وأنت الله لا اله إلا أنت الكريم المتكرّم، العظيم المتعظّم، الكبير المتكبّر، وأنت الله لا اله إلا أنت العلي المتعال الشديد المحال، وأنت الله لا اله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم، وأنت الله لا اله إلا أنت السميع البصير القديم الخبير، وأنت الله لا اله إلا أنت الكريم الأكرم الدائم الأدوم، وأنت الله لا اله إلا أنت قبل كل احد، والآخر بعد كل عدد، وأنت الله لا اله إلا أنت الداني في علوه والعالي في دنوه، وأنت الله لا اله إلا أنت ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد، وأنت الله لا اله إلا أنت أنشأت الأشياء من غير سنخ، ...".
أما عن معنى التوحيد عند العارفين وغيرهم فقد اختلفت أساليبهم في بيان معناه، وهذا يكمن في أن الله خلق الخلق وهم على تفاوت في الفكر والإدراك، مما جعل صعوبة الوصول إلى كنه حقيقة التوحيد عندهم، كما أن تعاريفهم وان اشتملت على شيء قويم فهي بالتالي مقتبسة من أقوال المعصومين (عليهم السلام) التي وردت في تفسير القرآن الكريم وبيانه ، فقد قال السـبزواري بان التوحيد: "عبارة عن كون الموجود له منصفات الكمال والتناهي عن الجلال بحيث لا يمكن أن يحده حد، ولا يصح فرض ثانٍ له أبداف هو الحق الصرف الذي يملك كل شيء وغيره الباطل الذي لا يملك لنفسه شيء".
كما قال السبزواري عن التوحيد بأنه: "سر من الأسرار الإلهية تجلّى به الله على مخلوقاته فأقرّ به الخلائق قبل الخلق، يطلبه الملائكة المقرّبون، وتهفو إليه أفئدة المخلوقين، دعا إليه الأنبياء والمرسلين، تتجلّى عظمته في انه أهم صفات الله تعالى، إذ له ارتباط بين الخالق والمخلوق، وهو آنس للنفس الإنساني والأقرب إلى القلوب، تتفانى فيه الروح وتنجذب إليه النفوس وتحنّ إلى معرفته العقول، وعلى مراتب عرفانه تتصاعد النفوس إلى الملكوت الأعلى ودرجات القرب لدى جنابه ...".
وخلاصة ما تقدم أن التوحيد الذي ورد ذكره في القرآن الكريم قد بيّنه بصورة أدق وبأبلغ بيان وأوضح برهان إمام الموحدين أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، إذ كان له الدور الأكبر في بيان معنى التوحيد، فتوسع فيه مستندا على الأصل القرآني ومفسرا لكل ما يتعلق به مـن دقائق الأمور التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، الذين منحهم الله العلم اللدني والقدرة على الشرح والتبسيط لكل ما ورد في القرآن الكريم، لذلك فان الأمة عيال على الإمام علي (عليه السلام) في بيان مسألة التوحيد فضلا عن أولاده المعصومين (عليهم السلام) .